top of page


ملهم كل الأحلام الجميلة .. وداعاً علي شعث


“الحلم هو الذي يجد الحالمين, وماعلى الحالم إلا أن يتذكر” 

هكذا يحكي محمود درويش عن الحالمين, يحكي عن الملهمين الذي يبحث عنهم الحلم رغماً عنهم ليبث بين ضلوعهم طاقته التي تحمل للغد شفافية تبشر للعالم بالأمل الذي يسكن في عيونهم. هكذا كان "علي شعث" هذا الملهم الذي تبنى بطاقته التي غلبت الجميع مجموعات كبيرة من الشبيبة والتف حوله الجميع ليستمعون له عن دروب تحقيق الأحلام على أرض الواقع.

تعرفت على "علي" حينما كنا نبحث لدعم أحد المشروعات الثقافية المستقلة الصغيرة, وفي الطريق تعرفت على تلك الرائعة "رنوة يحيي" هي ليست بزوجته فحسب بل هي شريكة دربه وثورته وحلمه, وجهان لعملة واحدة تبعث للأمل والحياة. من تلك الفيلا الصغيرة البيضاء "أضف" الداعمة لأكثر من خمسين مشروع من مشاريع الشباب المصري المستقل في الفن والثقافة الشعبية والثورية, لم يكن بغريب عن تلك الطاقة الجبارة التي تخرج من علي وهو يفتح الباب عليك للمرة الأولى فيكسر كل الجليد بينه وبينك وهو يقول "ها .. إيه الأخبار .. هنعمل إيه ؟ " وهو يبتسم ابتسامته المعهودة وفي خيالك بالكاد تشعر أن حضنه مفتوح للجميع.

من "أضف" ومن تحت عباءة علي ورنوة خرجت مبادرات كثيرة للحياة وقضينا أياماً نفكر ونحلم ونلعب في جنينتهم الصغيرة ذات الحوائط البيضاء المتاحة للكتابة من قبل الجميع, تبنى "على" فكر "المشاع الأبداعي" وعمل على بث روح المشاع بين الجميع وهدم فكرة الأستحواذ والملكية مع الشباب, كان لعلي بصمة مهمة في دعم الراديوهات الشبابية وبناء ستوديوهات داخل مساحات صغيرة لدعم هذا الحراك الحر كما فعل ودعم ستوديو الصندرة في الاسكندرية هذا الحلم الصغير الذي طالما حلمت به هذة المجموعة السكندرية. علي و رنوة كانت هناك قضية تشغلهم طوال الوقت وهي معسكرات الشبيبة في الوطن العربي اللذين عملا عليها طيلة عشرة اعوام مع الشباب المراهقين من مختلف الوطن العربي لفتح أذهانهم على أفق معلوماتي واسع من خلال المعرفة التقنية الحديثة.

علي شعث بلا مبالغات كل من عرفوه قد يحتارون فيه هو الأب أم الصديق أم الأخ أم النبي الملهم بالأحلام, الفيلا البيضاء التي سكنت المقطم واحتوت الجميع كان علي واقفاً على بابها لم يغلقه في وجه أحد وكانت رنوة بجانبه بابتسامتها المعهودة وذهنها الحاضر مع الجميع تلك المرأة التي عرفت عن بناء مملكة شعبية متاحة لمن ليس لهم مكان مع زوجها المحب الحالم بكل الأشياء الجميلة. أتذكر يوماً ما حينما ساد شعور اليأس بين الصفوف الثورية سألته ماذا سنفعل الجميع في حالة احباط رهيبة قال لي ماذا عن ان نجلس سوياً ونستحضر الأمل ونستمع إلى المزيكا ونتحدث عن الغد الذي يستحق منا العزيمة والطاقة والقدرة فمصر تستحق منا أكثر بكثير من كل توقعاتنا تجاه أنفسنا, تركته وبي أمل وطاقة.. أنطلقت في الشارع كالطفلة أبحث عن أصدقائي كي نستجمع قوانا من جديد, علي شعث رحل أمس عن دنيانا فجأة وخلف وراءه رنوة زوجته الجميلة وثلاثة أولاد صغار, ألقينا عليه جميعاً نظرة الوداع أمس في لحظة صامتة بكى فيها الجميع وفقدنا عند باب تلك المستشفى التبرير لأنفسنا عن أسباب لوداعه..

علي ... أستاذي العزيز قد حدثتنا وحكيت لنا عن أحلام وطرق كثيرة لتحقيقها و كانت لديك عقيدة للحرية والمشاع والحب, نبذت اليأس والحزن وكنت تعلم عن الغد الكثير, اعتب عليك إنك رحلت سريعاً, أعتب عليك من فرط الفقد, لم تمهلنا وقت كي نحصد سوياً نجاحات كثيرة قد زرعناها معاً, عجز تماماً قلمي في هذا المقال عن الحديث عنك باسهاب فأنت لا تحصر في سطور أنت يوميات وطاقة وحياة, كل ما في يدنا الان هو إلقاء نظرة وداع أخيرة واستكمال العمل الجماعي في تحقيق أيام قادمة أفضل بالفن والمشاع والثقافة الحرة التي يمتلكها الجميع دون شروط عظيمة ..

فقط لأنهم بشر يستحقون الحياة والجمال والتعبير عن انفسهم كما كنت تقول ..

فيا ملهم كل الأحلام الجميلة .. وداعاً .. وداعاً علي شعث ... 

 

علي شعث

١٩٦٨-٢٠١٣

bottom of page